27‏/10‏/2009

سَيْل



انتهت الصحراء؛

القصّاصون جرّوا أكياس الرمال وأفرغوها في رأسي.

أرشدوا الريح إليّ كي يلقّح الصبار أصابعي.


انتهت الصحراء وسالت.


ولكنّ الواحات التي نسيها النهر فيها اختفت فجأة

ولم يدلقها أحدٌ في جوفي.

فالقصّاصون لم يجتهدوا ليجدوا أواني الماء

ولا لإقناع غيمةٍ بأن مدىً أكرم ينتظرها


الصحراء في رأسي تنتظر القوافل،

والقوافل تمر في ذاك الفراغ

دون أرض أو دليل.



الصورة: "سيل"، أيضًا، في أحد أسواق فلسطين


لا أحد، وصورتك


لا أحد يحتاجك الآن


لا القطارات المسرعة الضاجّة على يومياتك

تطلب منك تلميع الحديد.

لا الصيادون في آخر ساعات الصيد

لتضيء لهم موجةً وتمضي.


لا أحد يحتاجك اللحظة

وأنت تتأنّق لاستقبال نهاياتك،

وأنت تدسّ ذكرياتك في جيبك

وتظهر نرجسةً على فتحتها.


لا أحد سيلتفت إليك إن صرخت

بأعلى صوتك: "مرحى بالفصول المنتهية

مرحى بي أنا المتجدّد وأنا أضرب رأس الماضي وأغميه".

أو حتى إن قلت: "سأتنازل عن دور البطل حتى لا تلتهمني النهاية،

وإن أجبرتُ على التفرج، سأقتل الراوي".


لا أحد يحتاجك الآن

سوى صورتك القاتمة.

28‏/9‏/2009

مسْخ


كلُّ ذلك البهاء الممتد على وجهكَ

مسخته ساحرة من ريفك إلى قط مشرّد

أطعمه لحمي كلّ ليلة


بهاؤك الذي ورّطني ذات صيف

تحت شجرة لا تنبت في بلادنا،

يقتات الآن من جلدي،

ثم يلبسني النهار..


أيها الضوء الخافت هناك

حدثني عن جلده الميّت، أما زال يغني كلّ صباح؟

أما زالت عصافيره تنقر تفاحة تلو الأخرى

وتبحث عن جديدة صالحة؟


لو أن الأشجار لا تنظر إلى السماء دومًا

للاحظت لون قميصي وحفظته.

لو أنها لا تسّاقط، لتذكرتني

ونادت قلبي الساخط

وربّتت على كاهله المأكول.


أنا أيضًا أغني كل صباح

أنا أيضًا أنسى الأشجار حين تنسى قميصي.


27 أيلول 2009



هذا النص، قد يكون أول ما يكسر المحل الذي حل على كل محلّ (عليّ، على الوقت والمكان، وعلى أزرار حاسوبي المتلهفة). محلُ أيار يمتد إلى أيلول.. وأيلول الأسود يشعّ، لمرة واحدة، هي هذه.. أحبه لأنه جاء ليجيء، لا لسبب آخر. كالذي يسافر إلى بلد مجهول، من أجل فكرة السفر فقط..
الصورة: عصفور "واحد" على شجرة في مساكن الطلبة في Bayreuth

19‏/9‏/2009

"إذ قال يوسُف".. التجربة الفردية والجامعة


"في "إذ قال يوسف"؛ يكتب ويخرج نزار زعبي قصة إنسانية لشخوص يعاصرون النكبة وتداعياتها الفردية والجمعية، ويزجّ نخبة من الممثلين الفلسطينيين في صلبها؛ من بينهم يوسف أبو وردة وتيريز سليمان * أبو وردة يتحدث عن عودته إلى المسرح العربي وعن "معضلات" المسرح العبري حين يحتاج "إلينا" * عن علاقتها المختلفة بالمسرح، من الغناء إلى التمثيل، لأول مرة، تتحدث سليمان *

//
* أبو وردة: "إن القضية الإنسانية التي تعرض إليها المسرحية هي ذاك البتر "المشوِّه لكل مكونات حياتنا الطبيعية، إنه الشرخ الذي سببته النكبة في علاقاتنا الطبيعية مع المحيط".
* سليمان: "أعتقد أنني أدرك حجم الطاقة التي يمنحني إياها المسرح من خلال الغناء. ولكنني الآن أمام تجربة تجعلني أشعر بهذه الطاقة أو السحر ولكن بطريقة مختلفة تمامًا".
//


يكتب نزار زعبي ويخرج شخصيات متعدّدة وذات أبعاد وسمات مختلفة تؤديها مجموعة من الممثلين هم؛ سلوى نقارة، عامر حليحل، علي سليمان، طاهر نجيب، سماء واكيم، بالإضافة إلى يوسف أبو وردة وتيريز سليمان. ويتحدّث يوسف عن الأدوار التي يؤديها، وعن خيط أو فكرة تربط مجموعة من الشخوص وهي، كما وصفها، "بتر لمكوناتنا الطبيعية"، "الملفت في العمل أنه يعرض إلى قطع المسار الطبيعي لعلاقاتنا الإنسانية، وهو قطع قاسٍ ولكنه مثير يجعلنا نتساءل؛ ماذا لو لم يحدث هذا؟ ثم إن هذا البتر المشوَّه لعلاقاتنا الطبيعية يأتي على أشكال عدّة؛ بين الأفراد وبين الفرد والطبيعة وما إلى ذلك. وتأتي علاقة الحب بين علي وندى مثالا على ذلك، فبسبب استشهاد علي، تُبتر علاقتهما وتعيش ندى مع أخيه المعاق يوسف (والذي أؤدي دوره)، فبالتالي الحياة التي يعيشانها ندى ويوسف هي غير طبيعية"، يقول أبو وردة. ويردف: "كذلك الأمر بالنسبة لعلاقة الإنسان مع الطبيعة المحيطة؛ أؤدي في المسرحية دور شخص تربطه بشجرة علاقة ما؛ لعلّها مكان آمن لأحلامه، ولكنها تتحول إلى كوابيس بمجرد أن يدرك فكرة أن الآخرين سيمارسون أحلامهم "تحتها" بدلا منه، فيقرر قلعها وزرعها في مكانه الجديد، إنه أيضًا تشويه وعبثية علاقة الفرد بطبيعته. تتطابق الفكرة في مشهد آخر يعرض إلى علاقة الأب بابنته، والتي تُشرخ بسبب قتل الأخ في معمعة الأحداث، يختلط الإحساس بالذنب بالرغبة في الرحيل أو البقاء في المكان. في نهاية المطاف، نرى الصراع الذي تولده أحداث النكبة بيننا وبين محيطنا بكل مكوناته، وحتى بين عناصر الطبيعة نفسها، هذه هي نظرة "يوسف" المعاق، نظرته العادية ولكن غير الخالية من الحكمة، والتي تجعله يرى الصراع متجسدًا في الطبيعة".
أما تيريز سليمان، فتؤدي دور شابة من قرية "بيسمون" والتي تهجر إثر أحداث النكبة آنذاك، وهي شابة تحلم بأن تصبح مغنية مشهورة وأن تتاح لها الفرصة للسفر، حيث ترى بعلاقتها مع "جندي بريطاني" حلا أو منفسا لذاك الحلم. كما وتؤدي دور امرأة من حيفا تشهد مقتل أخيها ونهش الكلاب لجثته، "إنه مكان مؤلم، موجع وبشع، وبعيد عني، على عكس الشخصية الأولى، تقول تيريز. وفي سؤال حول الطريقة التي تعاملت فيها سليمان مع هذه الأدوار متباينة الأبعاد، قالت: "إن جلّ جهدي بذلته على دور أخت القتيل، كنت فيه بحاجة إلى أن أبحث عن أكثر المناطق حلكة وحساسية فيّ، حتى أتمكن من التعامل معه على الخشبة بالشكل الأصح. وهذا ما لا أواجهه في الغناء، ولكنه تحدٍ كبير جعلني أدرك أن عالم التمثيل هو شاسع وقاسٍ يطلب من الممثل أن يكتشف في ذاته أكثر الأماكن خصوصية وحلكة، وأن من لا يقوى على ذلك فمكانه ليس في المسرح". وتضيف تيريز: "هذا هو الأمر الذي جعلني أشعر بالمسؤولية تجاه بقية الزملاء. فالأدوات والتقنيات التي أحتاجها من أجل شحن طاقات كبيرة لإتقان هذا الدور الصعب، قد تكون أسهل بكثير بالنسبة لممثلين محترفين ومتمرسين. ومن خلال هذا، أدركت أيضًا أننا عندما نشاهد مسرحية ما، نحن نشاهد أيضًا لحظات حساسة وصعبة يعيشها الممثل، وهي تستحق المشاهدة".


العناصر الأولية الدافعة

في سؤال حول الدوافع التي جعلت من تيريز سليمان "المغنية" تقدم على عمل مسرحي، هو تجربتها الأولى؛ "أظن بأن المسرحية، بجميع جوانبها، خاصة تركيبة الطاقم الفني والإداري، المهني برأيي، جعلني أندفع باتجاه العمل في هذه المسرحية دون تردد"، تقول تيريز. ولكنها تستدرك: "بقدر ما يمنحني هذا الطاقم طاقة، أظنها هي دافعي الأول، بقدر ما أشعر بالمقابل بمسؤولية كبيرة كوني "مجرّبة" وسط ممثلين محترفين؛ إنه الحرص على أن أثبت بأني جديرة بهذا المكان". بالنسبة لها، بدا العمل مثيرًا منذ اللحظة الأولى؛ مذ توجه إليها المخرج نزار أمير زعبي واقترح عليها المشاركة في المسرحية. "حتى قبل أن أقرأ نص المسرحية، كنت على ثقة بأني أقف أمام عمل مهني وجدير. فأعتقد أن نزار هو مخرج رائع يتعامل بحساسية عالية مع الأمور المطروحة؛ إذ يطرحها هنا من زوايا أخرى غير مألوفة لنا. لا شك بأن النص يلامس أماكن وتفاصيل صغيرة في شخصيتي، قبل أن يلمس القضية الكبيرة العامة؛ النكبة، إنها النكبة الشخصية لكلٍ منا"، تقول سليمان. كذلك الأمر بالنسبة ليوسف أبو وردة، الذي يعود إلى خشبة المسرح العربي بعد انقطاع طويل عنها. "قبلت المشاركة في هذا العمل لأسباب عدة، أولها أن النص كتب بشكل جميل، ثم إنه يروي قصة تهمني شخصيًا، وتدفعني إلى التفاعل معها بسلاسة. بالإضافة إلى أن النص هو إنتاج محلي؛ يتناول قضية تمت لكل شخص منا بصلة مباشرة. أما العناصر العاملة على المسرحية ساهمت كذلك في مشاركتي؛ الممثلين، المخرج والإدارة، طاقم تمنيت العمل معه في السابق، وها هي الفرصة قد سنحت". عند الخوض بجزئية انقطاع أبو وردة عن المسرح العربي سنين عدّة، يشير إلى عدم وجود الفرص المناسبة. وإن سنحت بعضها، تتزامن مع عمله في أماكن أخرى؛ فقد اقترحت عليه المشاركة في مسرحية "عطسة" والذي أنتجها شبر حر أيضً، ولكنها تزامنت مع عمله في فيلم "أمريكا". "ثم إن الأعمال التي عرضت عليّ بشكل عام، لم تكن ذات جاذبية كافية حتى أخوضها"، يضيف أبو وردة.


أبو وردة.. اللجوء القسري للمسرح العبري


سألت يوسف إن كان قد شعر بمسؤولية تجاه المسرح العربي الذي انقطع عنه، أجاب: "ليس على هذه "المسؤولية" أن تجرني إلى المشاركة في أعمال أنا غير راضٍ عنها. إن المسؤولية تكمن تجاه العمل نفسه، أن أكون راضٍ عن مستواه ومكوناته. وفي الواقع، لم أنقطع عن المسرح العربي بإرادتي، إذ لطالما تمنيت البقاء هناك، ولكن لا تتوفر فرص جذابة وجديرة، أما بالنسبة لـ"إذ قال يوسف"، فالعناصر الأولية التي تبنيه، تمنحني الثقة بأني أقف أمام عمل ذي جوانب مهنية". ويضيف شارحًا توجهات المسارح العبرية فيما يتعلق بالممثلين العرب: "إن عملنا في المسارح العبرية ما قبل الانتفاضة الثانية حمل نوعًا من الأمل وربما السذاجة، لكنه كان بحاجة إلى وجودنا "الوظائفي" والسياسي. وبعد أن هبطت موجة المسرح العبري، أخذ كل منا اتجاهًا مختلفًا وشرعنا بالمحاربة على مكاننا الطبيعي غير المحدود بالمعنى الوظائفي. ومن ثم توجهنا لإقامة مسرح عربي يلبي احتياجات الممثلين المحترفين. لم نحقق ما أردنا بالضبط، فهنالك فجوة بين الواقع والحلم، ولكنه أقيم". وهنا يشير يوسف إلى قضية "بتر العلاقات الطبيعية" آنفة الذكر، ويقول أن الحالة الطبيعية هي أن يعمل في المسرح العربي، وألا يحتاج إلى المسارح العبرية، ولكن الخيارات التي يتيحها الأول محدودة، على حد تعبيره. ويردف محدثًا عن الأعمال والمسلسلات العبرية التي انخرط بها: "عندما عملت في المسرح العربي، كنت أرفض الأعمال العبرية التي تعرض عليّ. ولكنني اليوم، بسبب محدودية المسرح العربي، أجد نفسي مضطرًا لقبولها رغم سخافتها أحيانًا، وذلك لأسباب في معظمها مادية". ويستدرك: "ولكن ذلك لا يجعلني أقبل كل الأعمال العبرية التي تعرض عليّ، فهنالك أيضًا انتقائية تفرضها حدود لا أقبل بكسرها أو تجاوزها". وعن هذه الحدود يشرح أبو وردة موقفه من أداء العرب لأدوار وظائفية لكونهم عربًا، فهو يرفض أن يؤدي دور العربي الذي يكتبه الإسرائيلي من وجهة نظره، ويفضل بالمقابل أن يؤدي دور الإسرائيلي، هذا إذا كان العمل بالأساس يناسبه ويناسب مواقفه. "ما أعنيه في نهاية المطاف، هو أن المشهد العبري، في المسرح أو التلفزيون، لم ولن يكون "المهرب الواسع والآمن" فهو أيضًا مشروط ومقيّد بسبب مبادئ أسير وفقها"، يقول يوسف.
أما فيما يخص وجوده في مجموعة "شبر حر" المسرحية، ورأيه حيال توجهاتها وسعيها لخلق مشهد مسرحي فلسطيني مختلف، يقول: "لا شك في وجود تجربة ملفتة، وأفق واضح للاستمرار فيها. أنا شخصيًا لم أدخل إلى هذا العمل بسبب استراتيجية طويلة الأمد أو مشروع بناء مسرحي، ولكني ببساطة أقول أنني على استعداد تام للعمل مع هذه المجموعة في كل ما تطرحه عليّ مستقبلا. فقد أحببت فكرة الانسلاخ عن فكرة المؤسسة، والتي بطبيعة الحال منوطة بقيود ومصالح وحاجيات، والذي يولد روح حرة ومبدعة". وعن عمله، هو صاحب الباع والخبرة الطويلة في مجال التمثيل، برفقة تيريز سليمان وسماء واكيم، بتجربتهما الأولى، يقول: "بغض النظر عن التجربة المسرحية، فإن لكل خصوصيته وهي ملحوظة. فإن ما تجلبه تيريز بصوتها وسماء بحركتها على المسرح هو كفيل بأن يملأ ما يسمى "النقص" في التجربة على المسرح".


سليمان.. تَقاطع التمثيل والغناء


تيريز سليمان، الفتاة الحيفاوية التي عرفت على خشبات المسارح من خلال "صوتها"، تخوض الآن تجربة لعلها مشابهة ببعض الأوجه، ولكنها مختلفة إلى حد كبير. وعن هذا التباين والتشابه، تقول: "لطالما وددت الخوض في تجربة مسرحية تدمج بين الغناء والتمثيل. وبالتزامن مع مسرحية "إذ قال يوسف" عرضت عليّ المشاركة في أعمال أخرى، ولكنني جزمت مشاركتي في هذا العمل بالتحديد بسبب اتفاقي مع جميع عناصره المختلفة؛ كالمخرج والنص وطاقم الممثلين الخ.. بالإضافة إلى أنني أشعر بأني أقف بين أيدٍ أمينة، أي أن لا شيئ سيدفع نزار زعبي إلى المغامرة في إشراك شخوص عديمي التجرب، وأنا على ثقة بقراراته واختياراته". أما عن نقاط التقاء الغناء بالتمثيل، فتقول سليمان: "أعتقد أنني أدرك حجم الطاقة التي يمنحني إياها المسرح من خلال الغناء. ولكنني الآن أمام تجربة تجعلني أشعر بهذه الطاقة أو السحر ولكن بطريقة مختلفة تمامًا، فكنت بحاجة إلى يد العون، وفي الأساس تلقيت المساعدة من نزار زعبي وعامر حليحل". وتضيف: "في الغناء يسهل التعامل مع الإنزلاقات أو المطبات أو اللحظات غير المتينة، ولكنني أجد التمثيل غير مرن تجاه مثل هذه اللحظات، هذه أحد الصعوبات التي تجعلني أكثر حذرًا في التمثيل، على عكس الغناء. ولكن لا شك بأن الأدوات التي أكتسبها الآن منه تساعدني على أداء الغناء، كالوقوف بحرية على المسرح، التعامل مع الجمهور، التعامل مع الأحاسيس الداخلية وكيفية إخراجها أو ضبطها". وتصف تيريز هذه التجربة بأنها من أهم التجارب التي خاضتها حتى الآن، على الصعيدين المهني والإنساني، "هنالك جوانب في شخصيتي أشعر بأنها تمر بنضوج ما. ولو خيّرت بأن أبذل مجهودًا مضاعفًا في سبيل أن أشارك في أعمال قادمة مع هذه المجموعة، لما ترددت. أما على الصعيد المهني، فقد أضاف لي الجانب الموسيقي في العمل الكثير، وذلك لأنه يعتمد في أساسه على مبدأ الارتجال، دون اللجوء إلى الآلات الموسيقية".

يذكر أن مجموعة "شبر حر" تنتج هذا العمل بالتعاون مع مسرح "يانغ فيك" البريطاني وبدعم من مؤسسة الأمير كلاوس وصندوق الثقافة العربي والمورد العربي. يكتبها ويخرجها نزار أمير زعبي، ترجمة: عامر حليحل، دراماتورغ: ديفيد لان المدير الفني لمسرح "يانغ فيك" في لندن، موسيقى المسرحية: الفنان حبيب شحادة، الديكور والملابس للمصمم البريطاني جون بوسير، الإضاءة: كولين غرينفيل، من مسرح "ينغ فيك". يدير الانتاج الفنان أشرف حنا، ويشرف على التسويق سامي زعبي. وسينطلق العرض الأول للمسرحية في الرابع والعشرين منالشهر الجاري على خشبة الميدان في حيفا، من بعدها يقوم الطاقم بجولة عروض في البلاد، وجولة أخرى في بريطانيا لعرض المسرحية باللغة الإنجليزية.

(الصورة بعدسة خلود طنوس)


5‏/6‏/2009

محاولة للإمساك بزمن الكتابة: عن وفي.. "من وإلى"






دمشق- خالد الاختيار




على الرغم من أنّ "المقالات تعبّر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي مجلة من وإلى" غير أنه ليس بوسع المرء إلا أن يفتري على المطبوعة الجديدة بعكس ذلك، على اعتبار أن ما ضمّته بين دفتيها منذ عددها الأول وحتى اليوم يعبـّر عنها أيما تعبير.

وعندما يستبين المرء سريعا أن اقتراح النشر فلسطيني أيضا، فإن ذلك لابد له أن يحسم للتو مذاقا مختلفا للتوقعات لا يد للمجلة فيه ولا حيلة. وقد تريده وقد لا تسأل فيه.
بالطريقة نفسها ربما التي يصطاد العين فيها ويغويها منذ اللحظة الأولى الشكل والمقاس المختلف والرشيق لها.

ليس من باب االبهلوانيات اللغوية، ولا الجناس الطربي المبذول. "من" و"إلى"، أحرف الجر الهيـّنة التي يسهر على حركات ما يليها لغويو الإعدادية ومدققو إملاء الصحف قادرة كما لقنـّا مرارا على جرّ الجبال. ولا يبدو أن مهمة أحرف الجرّ تلك عنواناً لدوريـّة ثقافيـّة هذه المرة ستكون أسهل بحال من الأحوال.

"من وإلى" تفترض في ذهن مستطلعها جهات ما، أو أقطاب إرسال واستقبال تدور في بوصلتها الأشعار والقصص والمنثورات والرسوم، وسواها من مواد العدد.

وبالنظر إلى غياب الافتتاحيات الكلاسسيكة عن المجلة والتي عادة ما يكون من دأبها التوجيه وتيسير التأويل وابتكار السياق بحسب (سياسة) التحرير، فإن على القارئ هنا الالتحاق بفضاء تمهيدي بديل من قبيل:

"أعداؤنا يسمـّون البيانو (أفسنتير)
منذ متى وهذه الأفسنتيرات تضربُ في
يقظة الميّت النائم؟
منذ ُمتى تـُواصل شـُغلها من إذاعة (كول
هاموسيكا)- بينما طائراتهم تقصف
(الضاحية الجنوبية) وتـُغيرُ على بيت ٍ من
ثلاث غـُرف ٍ في مخيم جـَباليا؟"

إنما تحت اسم مقارب لـ"الافتتاحية"، وهو هنا "فتّاحة عدد". وإن كان يصلح كذلك برأي كثيرين كفتـّاحة مبدأية للفكرة، يسأل المرء من خلالها وبلؤم أحيانا، ماذا يريد نجوان درويش، المقدسي الشاب، شاعرا أو كاتبا ناشرا، من مجلته وقد بلغت روحها التاسعة؟

أصوات عربية جديدة، كإجابة أولى صارمة، مطوبة منذ الغلاف، قالت إحدى الصديقات مستغربة تجشّم عناء السؤال حتى. ومستشهدة بالجهد التنقيبي الذي قاد المحرر "من" القدس المحتلة "إلى" عربستان فارس. آخذا بتلابيب أحوازيين جدد إلا عن عروبتـ(ـهم) ، من الذين تتخلى عنهم اليوم دون جلبة تذكر أنظمة طوّبت نفسها لعقود حامية حمى هاتيك العروبة.

والصورة في "من وإلى" ليست -تشكيلا أو فوتوغرافا- متاعا طارئا على النص، بل تكاد تأخذ موضعها هناك في تتام وتناغم مع المكتوب الحروفي، كأنه لها وكأنها له.

من منزل دمشقي سرعان ما ينسى المرء اصطناعيـّة ندف القطن على سلّمه لتستحيل للتو عتبات لسحاب (زياد حلبي)، إلى غرف غزاويـّة في نسخها الأحدث 2008-2009 بعد القصف، والعربدة الإسرائيلية الأخيرة، وسطح منزل بصحن لاقط (مجعلك) كمظلة كسحتها ريح داهمة، وحمـّام على الشمع (محمد مسلم).

نجاح عوض الله، حزيمة بشير، أميمة عبد الشافي، حمزة كوتي، فارس البحرة، مصطفى مصطفى، عناية جابر، حمدي زيدان، عبد الوهاب عزاوي، بهيج وردة، سحر مندور، شادي الزقزوق، حازم حرب، هاني زعرب، بهمان غوبادي، آلاء يونس، نسرين بخاري، صلاح أبو الدو، أحمد فارس، عثمان فكراوي.

هنّ وهم بعض شركاء العدد الأخير للمجلة، منثورون بغير تساوٍ على أبواب لها إشارات ودلالات.. "سرد متقطع، قاع المدينة، تجارب، قصيدة، قصة، بما إنو، بورتريه، أصوات الجوار، ملامح، فصول، رفوف".
ومن يعرف بعض أولئك الكتاب والتشكيليين يستدل بيسر على أنّ "من وإلى" لا تنتحل –أقلـّه حتى الآن- أمام قرائها أي غيتو شبابي تبسيطي وفق تعريفات سِنيّ الوجود الفيزيائي للشخص.

رغم أن بعض المشاريع الاستشرافية فيها تأتي (آلاء يونس) إنقاذاً للماضي من تأريخيته المزمنة بصيغة "نفرتيتي" ماكنة خياطة فرعونية شغّلت وشغلت أرامل وأيامى الحروب المصريات إبان 1952.

أو كشفية فوتوغرافيا أخرى (محمد حرب) لطفل كان عليه أن يمشي على الماء قبل أن يصل إلى شربة تروي ظمأه. كما يهيئ للناظر.

على أنه يبدو أن "من وإلى" لا تلقي بالاً لمعاناة جدّاتها العربيات، أو حتى الغربيات الأكثر "إفصاحا" عن بلواهن. مثل كريستيان ساينس مونيتورchristian science monitor، ونيويورك تايمزNew York Times ، وشيكاغو تريبيون chicago tribune، وغيرها من مشيـّدات النشر و"العقارات" الصحافية المطبوعة الآيلة سراعا للانترنت، والإفلاس.

فللمجلة موقع افتراضي على الشبكة الدولية لاتخشى من بث مطبوعها عليه دون كلفة إضافية، ولا تضن بشيء مما "يحبـّر" فيها على متصفحها الالكتروني الذي لا يتحمل أي أعباء مالية على الإطلاق. كيف لا، ومطبوعتها توزع بلا مقابل مادي أصلاً، وتخلو تقريباً من الإعلان والترويج التجاري.

ولعل هذا الأمر دون غيره أثار لدى بعض الدمشقيين بالذات حكة خفيفة في الذقن، خاصة وأن دمشق لم تلبث طويلا خارجة من "تأميمات" الثقافة و"مجانية" التثاقف. إن في العام الماضي كعاصمة ثقافية، أو فيما غبر وعبر من "اشتراكية" الفكر ماضيا!.

سؤال المنشورات الجديدة حولنا وبلغتنا لم يعد أقل خطراً اليوم من سؤال الكتابة الجديدة والكتـّاب الجدد، ثالوث يشد بعضه بعضا، أو يرخيه. ودائما نخب قارئ أكثر جدّة، ففاعل مجدد.
ولالتقاط هذا الأخير بالضبط لا مندوحة من انتظار الغد. على أن الغد "أقرب بكثير مما نظن" (نادين باخص).



___________________________
* الهوامش والاقتباسات والإحالات من مجلة "من وإلى"، العدد التاسع، نيسان– أبريل 2009، منشورات جيل للنشر، رام الله، فلسطين.

Godo.checkpoint@gmail.com

30‏/5‏/2009

جثة في رام الله



رام الله جافة وأنا سمكة
عليّ أن أحوّل غرفتي إلى رحمٍ..

***

من أنا الآن؟
صوتي الأحمق القديم يتحوّل إلى امرأة؟

***

لو كنتُ رجلا!

ما أجمل أن أبوّل واقفةً على عاطفتي
قبل أن أنام.

***

لا ريح هنا كي تحرّك وجهي فأبتسم
إنها الشمس تحرق شفتاي..

***

بايرويت
وشبح فاغنر
أرحم من رام الله
وشبحي..

***

أعضائي تموت!

29 نيسان 2009، رام الله

6‏/5‏/2009

مانيفستو أيّار 2009






نجوان درويش

بمناسبة الأول من أيّار نعلن الآتي:

أولاً: الأول من أيّار ولادة جديدة ونحن المواليد الأكثر حداثة اليوم.
ثانياً: نحن حلفاء إستراتيجيون لنسيم الصباح.
ثالثاً: صناعة المستقبل ليست خياراً وليست واجباً وأيضاً ليست صيرورة، "صناعة المستقبل" دجل إيديولوجي أياً كانت مصادره.
رابعاً: نرفض تحويل الواقع إلى حِمار مُمَكْيَج (وهذا لا يُنقِص من احترامنا للحمار كشقيق طبيعي للإنسان).
خامساً: نرفض فكرة الشفقة جملة ومضموناً لأنّ حربنا أبعد من العاطفة والتضامن.
سادساً: الانتهازية جريمة العصر ولن نتهاون بعد اليوم مع حملة مباخر ودفوف "الحمار المُمَكْيَج".
سابعاً: كل ما نقوم به هو في سبيل خير الفَعَلة- الأصحاب الشرعيين لكوكب الأرض.
ثامناً: حربنا لن تتوقف بعد زوال الاحتلال وكل أَشكال الاغتصاب الكولنيالي لمقدّرات الشعوب.
تاسعاً: الحبّ شرط لتنفّس كوكب الأرض، والحرية تبدأ بإطلاق الحواس.
عاشراً: سواء أًنذَرنا أم لم نُنذِر فلا عُذر للمتواطئين في شتى مواقعهم.

عاش الأول من أَيار.. وكُرمى لعينيه تُكرم بقية الشهور

التوقيع:
محفل الأول من أيار
القدس في 1 أيار 2009

25‏/4‏/2009

فارغة كوردة*/ يهودا عميخاي


ترجمة: أسماء عزايزة


عندما أضطر البدء بالفوز بك
يبدأ آخرٌ باكتشافك؛
باكتشاف أوراكك الطرية فوق الجورب.
ووقتما تضحكين،
تتفتح صور أحلام مستقبله الأولى

وعندما أضطر نسيانك
يبدأ الآخر باستذكارك
بعد أن بدأ الآخرون باكتشافك.

حياتي فارغة كوردة
نزعوا عنها أوراق النعم واللا
أن أكون وحيدًا هو أن أكون حيث لم نلتق
أن أكون وحيدًا هو أن أنسى أني كنت
أدفع ثمن تذكرتين في الحافلة
وأن أسافر وحدي
أسافر وحدي
أسافر وحدي

الآن أغطي المرآة كما صورك
وأستلقي لأنام
دجاج السماء يأكل لحم نومي
والكلاب تلعق دمي من الداخل
دون أن ترى خارجي

وحياتي فارغة كوردة..

_____________
* تم التصرف في العنوان وقد أُخذ من نص القصيدة.

24‏/4‏/2009

عدا بكائك


لم يكن الحليب مرّاً ولا حلواً
كان عذبًا كماء النهر.
وكانت الحَلمات فاترات
كيد صديق

كان، وظلَّ كلُّ شيء معتدلا
عدا بكائك..

3‏/4‏/2009

هل يمكن إنقاذ المشروع؟ ... احتفاليات متصادمة لـ«القدس عاصمة للثقافة العربية»


هل يحتاج المتابع ذكاءً خاصًا ليدرك حجم الورطة والمعضلات التي وقعت بها "القدس عاصمة للثقافة العربية 2009"؟ فقبل أن نتحدّث عن الوقائع اللوجستية والمالية الغامضة فيما يخص المشروع، نقف أمام واقعة مركبة؛ وهي وجود ثلاث احتفاليات للقدس عاصمة للثقافة: احتفالية حركة حماس التي ستفتتح في السابع من آذار الجاري، احتفالية السلطة في الـ21 منه، واحتفالية الحملة الأهلية خارج فلسطين في الـ30 من آذار. تُفتتح ثلاثتها بتأخير ثلاثة شهور لا زالت غارقة في دماء أبناء غزة كانت الذريعة لتأخير الافتتاح.
الطريقة التي تتم بها إدارة الفعالية نالت نقدًا كثيرًا ولا سيما من الكتاب والمثقفين المقدسيين، الكاتب محمود شقير لا يرى المشكلة في التأخير الأخير: "أنا أتفهم مسألة تأجيل الافتتاح، فقد تم بسبب الحرب الإسرائيلية الهمجية على شعبنا في قطاع غزة. فهو هنا مبرر وضروري ومفهوم. غير أنني أبديت تحفظاً على تشكيل اللجنة العليا للاحتفالية". أما الشاعر نجوان درويش فيذهب أبعد من ذلك حين يقول إن "مسألة القدس عاصمة للثقافة العربية تعكس خللاً بنيويًا في النظام السياسي الفلسطيني والعربي وتحديدًا في مسألة التعامل مع قضية القدس. وعلينا أن نعترف ونحن في الشهر الثالث من سنة 2009 أن المشروع قد فشل عملياً للأسف". ويرى درويش "أن الخلل كان منذ البداية باتخاذ قرار اختيار القدس ارتجالاً ودون دراسة واستعداد. وأن سنتان مرتا منذ الإعلان عن القدس 2009 دون إنجاز ملموس، ولا نجد سوى تخبطات واستقالات وعجز جماعي من قبل القائمين على المشروع وتصريحات بلا رصيد للإعلام". ويحمّل نجوان درويش "مسؤولية الفشل" لـ" الجهات الفلسطينية القائمة على "القدس 2009" التي لا تتمتع بالحد الأدنى من الكفاءة اللازمة، فهي احتكرت المبادرة وساهمت مع الاحتلال في إحباطها وفوّتت فرصة تاريخية كان يمكن أن تقدم شيئاً للقدس لو أحسن التعامل معها ولو اتخذنا الموقف والآليات المناسبة في وقت مبكّر". كان من الواضح أن اللجنة العليا والمكتب التنفيذي ومن حولهما عالقون في معمعة الاستقالات والإقالات وسوء الإدارة وانعدام العمل المشترك بين الشعب الفلسطيني مقطع الأوصال. ولكن ما الذي يمنعهم من الإتيان بالذرائع والتوضيحات للمواطن الفلسطيني الذي لا يعرف أصلا "مواعيد" افتتاحية القدس؟ يقول إٍسماعيل تلاوي، أمين عام اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم ورئيس لجنة التنسيق الفلسطينية العربية لاحتفالية القدس: "إن اللجنة الوطنية العليا تمكنت حتى الآن من تحقيق انجازات كبيرة على الرغم من عائقين؛ أولهما يتمثل بسلطات الاحتلال التي تحول دون إقامة أي نشاط ثقافي تحت مظلة القدس عاصمة الثقافة، كما فعلت خلال فعالية انطلاق شعار الاحتفالية واعتقلت عددًا من القائمين على النشاط. والثاني هو العائق المادي؛ فجميع المؤتمرات العربية على مستوى وزارات الثقافة أقرّت تقديم الدعم المادي للاحتفالية ولكن للأسف لم نتلق شيئًا حتى اللحظة".


اللجنة ومسلسل الاستقالات

ورغم تفهم المثقف الفلسطيني للمعضلات التي تواجه الاحتفالية، إلا أنّ القائمين عليها لم يعمموا بيانات أو تقارير توضح ما يحصل (بعيدًا عن الاحتلال). فما الذي يمنعهم من إماطة اللثام عن الأسباب الحقيقية لانسحاب الراحل درويش من رئاسة اللجنة، ومن ثم استقالة حنان عشراوي، وبعدها تعيين أبو مازن المفاجئ رئيسًا للجنة العليا، دون تقديم أي مبررات لذلك؟ وطالت الاستقالات المكتب التنفيذي للمشروع فتعاقب ثلاث مدراء على رئاسته في أقل من عام ونصف. وعنها يعقّب السيّد تلاوي: "من الظلم أن يقال ذلك، هناك لغط ولبس ونقل غير دقيق لما سمي بالاستقالات. فمحمود درويش ترأس اللجنة الوطنية ولم يعتذر مطلقًا، ولكن مرضه حال دون استمراره في العمل، أما حنان عشراوي فقد كُلّفت مؤقتًا بتولي المنصب ولكنها تغيّبت لأكثر من شهرين في الولايات المتحدة". أما في ما يتعلق بالحديث عن استقالة باسم المصري فيرد: "استمر المكتب التنفيذي في العمل برئاسة باسم المصري إلى أن تم اعتقاله في فعالية انطلاق شعار الاحتفالية في القدس، غادر على إثره إلى الأردن حيث منع من العودة إلى فلسطين لأكثر من ثلاثة شهور". ولكن ما يجري تداوله هنا يقول أن مصري استقال لأسباب أخرى، قريبة من أسباب استقالة أحمد داري الذي استقال مؤخرًا مع مجموعة من أعضاء المكتب التنفيذي للفعالية.
أما فيما يتعلّق بالتشكيلة الداخلية للجنة الوطنية العليا واللجان المتفرعة عنها، فجرى الحديث عن استثناء أسماء مهمة ووجود أخرى لا علاقة لها بالشأن الثقافي. فيصف الكاتب شقير تشكيل اللجنة قائلا: "أنا لا أتحدث عن الأشخاص ولا أقلل من قيمة أحد منهم، وإنما أتحدث عن الكفاءة المهنية وعن علاقتهم بالثقافة وهمومها. فقد تم تجاهل عدد من المثقفين الفلسطينيين المعروفين في القدس وفي الضفة الغربية وقطاع غزة وفي ما وراء الخط الأخضر والشتات، لسبب غير مفهوم. وبالطبع، لا يمكن أن يتمثل في اللجنة كل مثقف وكاتب. هذا أمر مفهوم، إنما كان النقص في التمثيل واضحاً، ولم يكن ممكناً التستر عليه". في حين يرى الشاعر درويش أن سوء التمثيل ليس فقط في تغييب أسماء ثقافية من الشتات ومن فلسطين 1948 واقتصار اللجنة على لون سياسي واحد، وإنما في وجود بعض الأسماء المحسوبة على تيار الأسرلة وبعض من تحفل سجلاتهم بسوء الإدارة في هذه اللجنة". في حين تؤكد لجنة التنسيق الفلسطينية العربية على توقيعها العديد من العقود مع المؤسسات والمراكز والمثقفين الفلسطينيين في القطاع والقدس ومناطق الـ48 للشروع بتنفيذ البرنامج، وأن الاحتفالية ستنطلق في الـ21 من آذار من خمس مناطق في آن؛ وهي القدس، بيت لحم، الناصرة، غزة، ومخيم برج البراجنة في لبنان".
ولكن كيف نفسّر، إذن، وجود ثلاث احتفاليات إن كانت الاحتفالية الرسمية التي أقرتها السلطة قد مثلت الجميع كما تحاول أن تتصرّف؟ "لا يجوز أن تتصل وزارة عاملة بوزارة مستقيلة، نحن لا نكرس الانقسام" تبرر وزيرة الثقافة في رام الله عدم اتصالها بوزارة الثقافة في غزة، علمًا بأن وزير الثقافة في حماس، عطا الله أبو السبح، هو من اقترح اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية عام 2009 في اجتماع وزراء الثقافة العرب في أيلول 2006. وبالمقابل هناك من يعتبر المشروع الثقافي أرضًا خصبة لإصدار الفتاوى كحظر دخول غزة أي نشاط ممول من رام الله! إذن كيف سيدخل القطاع دائرة التنسيق في ظل التمزق الجغرافي والحصار المفروضين إسرائيليًا؟! ولم لم يتم إشراك فلسطينيي الـ48 في هذه الدائرة، اللهم إلا من إشراك بعضهم في بعض النشاطات من باب رفع العتب، هؤلاء الذين اسقطوا طويلا من توجهات السلطة الثقافية والسياسية معًا.


ميزانيات وتحديات.. هل الإنقاذ ممكن؟


يبدو أن الثغرات المتراكمة على مشروع القدس لم تتوقف عند احتكار هنا وإقصاء هناك، لا بل تأزمت في الحديث عن الدولارات المرصودة لتمويله، مصادرها، واستخدامها لمصلحة المشروع أو لغيره. فجهة احتفالية واحدة "من الثلاث" أعلنت عن ثلاثة مبالغ مختلفة؛ حيث أكد رفيق الحسيني رئيس ديوان الرئاسة أن المبلغ المرصود هو 20 مليون دولار، فيما أعلنت وزيرة الثقافة عن أن المشروع يحتاج إلى 50 مليون دولار. أما مديرة المكتب التنفيذي فتقول أن 8 ملايين تبدو كافية! في حين تكرّس حكومة حماس مليون واحد للاحتفالية في غزة.
لعلّ الواقفين وراء احتفالية القدس عاصمة للثقافة 2009، أو الاحتفاليات في حال لم يتحد الفرقاء، يقفون أمام تحديات عدة في مقدمتها إنقاذ المشروع بحيث يقدَّم بصورة ترتقي إلى مكانة القدس من العواصم العربية بعيدًا عن النهج التصفوي والأسقف السياسية الواطئة. "يمكن لمن ارتكبوا الأخطاء أثناء التحضير لهذه الاحتفالية أن يصوبوا ما ارتكبوه من أخطاء، فثمة عام طويل من العمل الثقافي المرجو في المدينة ومن حولها" يقول محمود شقير. أما نجوان درويش فيرى أن "المدن الأوروبية التي لديها بنية تحتية ثقافية ممتازة، تبدأ تحضيرات احتفالاتها باختيارها عواصم للثقافة الأوروبية قبل عشر سنوات على الأقل، عام 2005 زرت بلدية قرطبة في إسبانيا مع مجموعة من الكتاب الفلسطينيين، وأطلعونا على تحضيراتهم لمشروع قرطبة عاصمة للثقافة الأوروبية عام 2015، وقدموا لنا مجموعة من المطبوعات الخاصة بقرطبة 2015. فكيف سنتدارك نحن غياب التحضير في أشهر قليلة ولدينا احتلال يقف بالمرصاد والمدينة معزولة وتكاد تكون بلا بنية تحتية ثقافية". المثقفون الفلسطينيون ما زالوا رغم هذه المعطيات ينظرون إلى المشروع بمزيج من الواقعية والمثالية؛ فهم يدركون تماماً حجم الصعوبات المتمثلة في الاحتلال، ولكنهم يدركون أيضا أنّ المسؤولية لا تقع على عاتق الاحتلال وحده، وخصوصاً في حال ما أخفق مشروع "القدس عاصمة للثقافة العربية".


* عن الحياة اللندنية