9‏/2‏/2012

حمدي شوقي: الخط المتربص بظل القصيدة






| أسماء عزايزة |

ليس من السهل، ولكن من الممتع، أن تنكشف إلى التشابه الشديد بين أشكال فنية في لحظة واحدة. التشابه في الصورة الحية المرئية وتلك الصلبة المضمورة، التشابه في أسلوب تقديم الفكرة/ الاستعارة، والتشابه حتى في الأدوات المنتقاة من أجل خدمتها.
يقدِّم الفنان حمدي شوقي (عمَّان) "رسومات من حافة البياض" كأعمال بصرية شريكة للمجموعة الشعرية "عشر نساء" (المؤسسة العربية/ 2009) للشاعرة الفلسطينية المقيمة في الأردن جمانة مصطفى. وكأنه فيها يتقصَّد تقفي أثر القصائد؛ يسدل خيط قلمه على خيوط الشعر التي تربط نصوص جمانة تحت نفس الشرشف "عشر نساء"، كأنه يتربص بظلالها، لا يواجهها ولا يريها نفسه أو طرفه، تلك القصائد العشيقة، يبتربص بظلالها بذكاء ورشاقة شاب عشرينيّ، وبصدقه، أيضًا. فيدرك كنهها ويعيد ترتيبها من جديد، على طريقته. ثمة بُخل بصري في التقنية التي يستخدمها شوقي؛ في المعطيات البصرية التي قد تغني العين، إلا أنها، برأيي تشبه القصيدة؛ مختصرة وبخيلة الألفاظ والكلمات، إلا أنها تضمر عالمًا بأكمله، هنا تتشابه المناطق التي يعمل فيها الفنان بتلك التي تكتب فيها جمانة. فنجد الرسمة الأولى (من الأعلى) تقابل هذه السطور: "كيف حالًهُ../ صانعُ الأقفاصِ الذي عشِقَ أجمَلَها/ فحبَسَ ذاتَهُ فيه/ ونسِيَ صنْعَتَهُ خارجًا". أما الرسمة الثانية (من الأعلى) فتحاكي هذه: "أستنسخُ مني أخرى/ أضحكُ مرتينِ/ أشهقُ مرتينِ/ أتقلبُ أربعًا/ أزورك جمانتينِ/ وأعودُ واحدةْ". نلحظ كرم الفنان تجاه خياله وتجسيده من خلال خطٍّ رفيع ودقيق ومرهف، إلا أنه واضح وحاد تمامًا كقصائد جمانة، فالقصيدة بالغة الحساسية تجاه اللحظة المحمَّلة إلا أنها قاسية القول والبوح، ذات عاطفة قوية لا تهزها التجربة أو اللغة: "عصافيرك تقفُ على شراييني/ وتقطرُ طبائعك/ على الشِّريانِ العاري/ أحبُّكَ على ذمةِ اللحظة/ وأخالفُ رأيَ السجائر/ وأعودُ بقبّعةٍ فارغة إلى أوراقي كلَّ مرةٍ/ وأقولُ:/ هذه غلّةُ القلبِ اليوم"، يرسم حمدي قبالتها الرسمة الثالثة (من الأعلى)، ثمة "نعومة" في الصورة الشعرية، وكذلك في الصورة المرئية، تشبه المعجم الذي استخدمته جمانة كـالعصافير والشرايين والاعتراف بالحب، إلا أنها، أيضًا، صورة واضحة وواثقة وغير متلعثمة وحادة وصريحة. كذلك تبدو رسومات حمدي، واضحة المعالم والخطوط ، فتبوح كما تبوح القصائد وتوارب كما توارب. إنها مواربة اللغة في الشعر وليس مواربة الحياة. كذلك الخط غير الآبه بواقعية الأشياء إلا أنه يصرِّح بها، حتى وإن دفع أقاصي خيالها ثمنًا للمكاشفة.

عن موقع قديتا. نت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق